هكذا كان ردُ زبيدة بنت جعفر، زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد، حين سُئلت عن التكلفة الهائلة لمشروع عين زبيدة. في تلك اللحظة، لم تُثنِها التحديات ولم يُخفها حجم الجهد، ورأت ما يعانيه الحجاج من شح المياه، فأرادت أن تجعل من عطشهم بداية لفيض لا ينقطع.”
في عام 164هـ، كانت مكة المكرمة تستقبل ضيوف الرحمن بمشاق تُثقل خطواتهم، كان الماء شريان الحياة، نادرًا في دروب الحج، والرحلة طويلة تحتاج إلى أكثر من الصبر. وقفت زبيدة على أرض عرفات، تُمعن النظر في وجوه الحجاج، مستشعرة حاجتهم، فكان القرار ينبع من قلبها قبل عقلها، استدعت السيدة زبيدة أمهر المهندسين، ليسمعوا منها رؤيتها التي تتجاوز حدود المستحيل.
مشروع يمتد عبر الوديان والصخور، ينقل الماء من مساقط المطر في أعالي جبال الكرّ من وادي نعمان إلى المشاعر المقدسة صوب مكة، ليكون شريان حياة دائمًا لضيوف الرحمن. وحينما أخبرها المهندسون عن التكلفة الهائلة، قالت بثقة تُضيء الطريق: “اعملوا، حتى لو كلفت ضربة الفأس دينارًا”.
بدأ العمل في المشروع بعزيمة لا تعرف المستحيل، بطون الأودية فتحت مساراتها، شُقت القنوات بإتقان، وأُنشئت الخرزات – وهي غرف تفتيش إدارية موزعة بعناية على امتداد الطريق – لتكون جزءًا من هذا الإبداع الهندسي، انسابت المياه بانتظام. و امتدت العين بطول يزيد على 30 كيلومترًا، تجمع بين ظاهر الأرض وباطنها، لتروي عرفات، مزدلفة، ومنى، وتصل إلى المسجد الحرام
وقدمت لنا زُبيدة في هذا الأثر، رؤية تتحدث عن التضامن والإنسانية، عن أهمية أن تكون يد الإنسان امتدادًا لرغبة الخير في داخله.
لأكثر من ألف ومئتي عام، ظلّت مياه عين زبيدة تسقي الحجاج والمقيمين في مكة. كانت القناة شاهدة على عبقرية الإنسان حينما يقوده الإيمان. حتى بعد أن جف ماؤها مع مرور الزمن، بقيت آثارها تروي الحكاية. تلك الحكاية التي تقول إن العطاء لا يتوقف عند حدود الوقت، بل يمتد كنبض مستمر يحمل روح صاحبه.
استلهمنا فكرة مشروع منصة “زبيدة” من شخصية السيدة زبيدة، كرمز للإبداع والعطاء. التي خلدت اسمها في التاريخ بمشاريعها العظيمة وجمعت بين الحكمة والرؤية المستقبلية، وما زال أثرها حاضرًا حتى اليوم.