عندما نفكر في الإبداع، غالبًا ما نتخيل شخصًا يركز بعمق لساعات طويلة على حل مشكلة ما. لكن المفاجأة هي أن التشتيت يمكن أن يكون أحد أهم عوامل تحفيز الإبداع. على عكس التفكير المركز، الذي يعتمد على التحليل والتفصيل، يسمح لنا التفكير المتشتت بتحرير عقولنا من القيود وإطلاق العنان للأفكار الجديدة وغير المتوقعة.
التشتيت في خدمة الإبداع
هذا المفهوم كان جزءًا من البرنامج التدريبي “Learning How to Learn” للباحثة Barbara Oakley، الذي أحدث تغييرًا جذريًا في نظرتي لبناء الأفكار والمعلومات. البرنامج يركز على تدريب العقل لتحفيز الإبداع، وبناء الأفكار بطريقة منهجية وفعّالة.
نافذة التفكير المتشتت
العقل يعمل بنمطين حسب اسلوب الباحثة:
- التفكير المركز : يعالج مشكلة معينة بتركيز عميق.
- التفكير المتشتت: يترك للعقل مساحة للتجول بحرية، مما يتيح الربط بين أفكار وتجارب قد تبدو غير مترابطة.
عندما نتعرض للتشتيت، ننتقل إلى التفكير المتشتت. في هذا النمط، يبدأ العقل في استكشاف احتمالات جديدة قد لا تكون واضحة أثناء التركيز الشديد.
لماذا التشتيت يحفز الإبداع؟
- تخفيف الضغط عن العقل:
التوقف عن التفكير المركز يمنح العقل فرصة للاسترخاء، مما يفتح المجال للتفكير بحرية. - الربط بين الأفكار:
أثناء التشتيت، يصبح العقل أكثر قدرة على الربط بين معلومات أو تجارب مختلفة، مما يؤدي إلى ولادة أفكار جديدة. - التأثير اللاواعي:
حتى عندما يبدو الشخص غير مركز، يعمل العقل اللاواعي على حل المشكلات في الخلفية، مما يقود إلى حلول مفاجئة.
أمثلة على قوة التشتيت
- لحظات “آها!”: تظهر الحلول الإبداعية غالبًا أثناء الأنشطة الروتينية مثل المشي أو ربما النوم، حيث يكون العقل في حالة استرخاء.
- العمل على شيء مختلف: عندما ننتقل إلى مهمة جديدة، قد يظهر حل غير متوقع للمشكلة التي كنا نعمل عليها سابقًا.
كيف تستخدم التشتيت لتحفيز إبداعك؟
- خذ استراحات منتظمة:
عند مواجهة أي تحدٍ، خذ استراحة قصيرة لتجديد نشاط عقلك والسماح له بالتجول. - قم بأنشطة غير ذهنية:
مثل الرسم، المشي، أو الاستماع لتحفيز التفكير المتشتت. - احتفظ بمفكرة:
غالبًا ما تظهر الأفكار الإبداعية في لحظات غير متوقعة، لذا كن مستعدًا لتسجيلها مباشرة.
التشتيت المتوازن: مفتاح الإبداع
التشتيت لا يُعد عدوًا للإنتاجية كما يعتقد البعض. عندما يُدار بشكل صحيح، يصبح أداة فعّالة لإطلاق المزيد من الإبداع.
المفتاح هو تحقيق توازن بين التفكير المركز والمتشتت، واستغلال لحظات التشتيت لتوليد أفكار مبتكرة تخدم أهدافك.
“أحيانًا، تحتاج إلى الابتعاد عن التفكير في المشكلة لتجد الحل.”
اعتقد اننا كنا نمارسه وقت الدراسة بشكل اكبر في مجال تخصصنا، حينما يطلب منك كطالب في قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة والتطبيقية، بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، عندما يطلب منك تصميم بوستر -على سبيل المثال- لحل مشكلة معينة والرسالة موجهة للذين ليس لهم حظ في القراءة والكتابة، بمعنى انك تبتكر تصميم يتحدث عن نفسه دون كتابة اي كلمة، ساعتها تبدأ معاناتك في الوصول لفكرة، وقد تستغرق الوصول لفكرة اسبوع او اسبوعين (كل الفترة المتاحة لك)، لذلك تلجأ للتفكير بهذه الطريقة.
نقرأ الكتب والمراجع، نروح دور السينما في الخرطوم نتجول من فيلم لآخر، نهوم في الشوارع، كل ذلك لايجاد فكرة.
واي شيء يقع على عينك تحاول ربطه بقضيتك، الى ان يوفقك الله لحل مثالي.
صحيح أ. عبدالرحمن، أحيانًا الأفكار تجيني في أوقات غريبة، زي وقت الاستحمام أو لما أكون أسوق السيارة، او الله يتجاوز عنا وقت الصلاة.
كأن العقل يشتغل بطريقة مختلفة في هاللحظات، وأحس إن هالشيء يتفق تمامًا مع فكرتك عن التفكير المتشتت وكيف يساعد في الإبداع.
بصراحة مقالك لفتني جدًا، لأنه يخليني أعيد النظر في كيف أتعامل مع لحظات التشتيت. شكراً على الطرح الجميل والمفيد، وشاكر جهودك أستاذ عبدالرحمن